سيرة منسية من ذاكرة الفن المصري

Sunday, August 24, 2008

رواية غير المضحوك عليهم


عن "دار هلا للنشر والتوزيع" بالقاهرة؛ صدرت رواية "غير المضحوك عليهم". وهي الرواية الثانية لكاتبها ياسر منجي؛ الروائي والفنان التشكيلي والناقد، الذي يعمل مدرساً بقسم الجرافيك بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة، والذي سبق وأن أصدر  روايته الأولى "مولد سيدي بسيسة".
الرواية تستلهم اشتباكات العلاقة بين يهود مصر وغيرهم من الطبقات والشرائح والقوى الاجتماعية، خلال فترة الخمسينيات من القرن المنصرم؛ حيث تطالعنا ذكريات أفراد عائلتي "حوطر" المسلمة و"عقيبا" اليهودية بمنطقة "سوق اللبن" بمدينة "المحلة الكبرى"، والتي يسوقها الكاتب بأسلوب الراوي العليم

Thursday, March 13, 2008

أسرار بافوميت... التجسدات البشرية للشيطان


من هو الشيطان؟
متى بدأت قصته؟ وأين يوجد عالمه، وهل لهذا العالم شكل منظور؟ وما هي صفات وتفاصيل هذا العالم؟
ماذا قالت الأديان السماوية عن صفاته؟ وهل اختلفت أم اتفقت مع صفاته في الديانات الوثنية؟
ما معنى مملكة الشيطان؟ وما هي طبقات المجتمع الشيطاني؟ من هم وزراؤه، ومن قواده، ومن علماؤه، ومن فنانوه، ومن أفراده، وما هي سماتهم وأوصافهم؟
من هو "بافوميت"؟
هل تجسد الشيطان على صورة البشر؟ وكم مرة فعلها؟ ومن هي هذه الشخصيات؟ هل رصدها التاريخ؟ وهل كان لهم دور فعال مسجل؟ هل رسمت أو التقطت لهم صور؟ وأين هي هذه الصور؟

الكتاب متوفر بدار هلا للنشر والتوزيع

6 شارع الدكتور حجازي، الصحفيين – الجيزة – جمهورية مصر العربية.
تليفون: 33041421 (202)
فاكس: 33449139 (202)

مقتطفات من رواية مولد سيدي بسيسة

عام 1896
1
تحسست "ستوتة" ملمس الطلاء الجيري المتشقق بأناملها المصبوغة بحناء بهت لونها. أخذت تمر بكفيها على الجدار الطيني المغطى بطبقة من الكلس المتآكل التي كشفت عنها شقوق الطلاء، لتبين حفرا و أخاديد و نتوءات تغزل وشما عتيقا على الحائط الخارجي لضريح "سيدي بسيسة".
كان الضريح يقبع متوحدا، محاطا بفضاء شاسع من الأرض المنزرعة التي لا يقطع استرسالها سوى خط مرتعش رمادي اللون، يرسم على استحياء هياكل البيوت الطينية شرقي البلد، يقابله من الغرب - و بنفس القدر من البعد الشاسع عن الضريح – نقاط بيضاء متراصة، تبدو لعين الغريب كتجمعات أبي قردان على رؤوس الحقول، بينما تتوجه إليها عيون أهل البلد حين تحن الذكرى للراحلين إلى غير رجعة و يتدفق الوفاء على الألسنة مشفوعا بقراءة الفاتحة.
المعلم الوحيد الذي ارتبط بضريح "سيدي بسيسة" و اقترب منه إلى درجة اعتباره جزءا ممتدا من كيانه كان هو بئر الساقية العتيقة التي تقع على مرمى حجر من الضريح، و التي توقفت منذ زمن غير معلوم عن ممارسة دورها الاعتيادي في سقيا الأرض، متحولة إلى سبيل موقوف على ضريح "سيدي بسيسة" و زواره فاكتسبت مع الزمن لقب "ساقية سيدي بسيسة".
لم يكن أحد من أهل البلد يعلم متى بني ضريح "سيدي بسيسة" و لم يكن أحد يعلم من هو "سيدي بسيسة " على وجه التحقيق، و برغم تعدد الأذهان المعمرة التي تحكي قصصا عن أصل كل شيء في البلد، و برغم الذخيرة الجاهزة دوما لتفسير كل شيء في الكون – بداية من كيفية الخلق نفسها و انتهاء بأسباب إنفاذ إيطاليا لمن ينوب عنها في عقد وفاق الصلح مع النجاشي "منيلك" على أثر الحروب الأخيرة – إلا أن الجميع قد عجزوا عن إبداء أية تفسيرات بشأن الأسباب التي دفعت الأجداد لتبجيل "سيدي بسيسة" على هذا النحو، و تنصيبه وليا حاميا للبلد و واسطة عقد لتخطيطها المعماري الدنيوي و الأخروي، و مركزا عتيدا لاستقبال شكاوى أهل البلد و مخاوفهم و آمالهم المشكوك بتحققها.
غاية ما يعرفه الجميع أن ضريح "سيدي بسيسة" هو مستقر أقوى الأسرار الروحية في زمام البلد و القرى المحيطة بها؛ إلى الحد الذي جعل من مولده السنوي موعدا منتظما لالتقاء الآلاف من سكان البلد و الوافدين عليها، حاملين نذورا تعكس تباينات طبقية واسعة المدى. و الأغلب أن هذه الأسرار الروحية هي ذاتها التي تسببت في منع حكماء البلد من تلفيق أية حكايات مكذوبة عن أصل "سيدي بسيسة" خوفا من بطشه، مكتفين بالحكايات المتواترة عن معجزاته و كراماته التي خبرها الكثيرون على مر السنين، و الأغلب أيضا أنها هي السبب في عدم الاجتراء على تناول المبنى الصغير للضريح بالتعديل أو الإضافة – برغم سخاء النذور و الهبات – إلا في حالات الضرورة القصوى التي يفرضها تصدع واضح في أحد الجدران أو انهيار أجزاء من القبة الخضراء بفعل توالي الشمس و الأمطار أو انهيار قمة بئر الساقية لأي سبب من الأسباب، فاقتصرت علامات السخاء على تكدس أفخر الأنواع من أوشحة الحرير الأخضر و الأبيض التي تكسو القبر بادية للعيان من شبابيك الضريح الأربع، محاطة بعشرات المصاحف الفاخرة الواردة من رحلات الحج التي لا يستطيع سوى الأغنياء إليها سبيلا، مسجلين امتنانهم بالعودة من الرحلة الخطيرة التي كانت تتم على ظهور الجمال. إلا أن أفخر الذخائر التي تمتع بها ضريح "سيدي بسيسة" و أكثرها قداسة كانت قطعة صغيرة من كسوة الكعبة، قدمها "حيدر نامق باشا" حين أعيته الحيلة في شفاء الشلل الذي ألم بنصفه الأيسر، فنصحه البعض بزيارة "سيدي بسيسة" و النذر له و الاغتسال من ماء الساقية. و برغم وفاة "حيدر نامق باشا" بعد فترة وجيزة من زيارته لضريح "سيدي بسيسة" إلا أن قطعة الكسوة المقدسة ظلت دليلا دامغا على تفوق "سيدي بسيسة" على أقرانه من أولياء القرى المجاورة، و مثارا لفخر البلد و عنوانا على قيمتها و ثقلها الاعتباري بين هذه القرى.
طافت "ستوتة" بجدران الضريح و هي تواصل تحسس الملمس الجيري ذي الأخاديد، فأخذت تتداعى على ذهنها ذكريات طفولتها حين كانت تداعب جدها الطاعن في السن، متحسسة الأخاديد العميقة في تجاعيد وجهه و هو يحكي لها قصصا أسطورية عن كرامات و معجزات "سيدي بسيسة" التي جبرت خواطر المكسورين و الحزانى.
كانت "ستوتة" و هي تطوف بالضريح ملتصقة بجداره المتآكل تتقلب في أحاسيس شتى من الجزع اليائس و الأمل الواثق في كرامات الولي العتيد، و مع تكرار طوافها الملتصق بالبناء المتآكل أتت عليها لحظة من الزمن غير محددة الطول، فقدت فيها اتصالها بكل ما يحيط بها من فضاء البلد الشاسع بمزروعاته الممتدة، فلم تعد تشعر بخفق الهواء في ثنايا حبرتها السوداء و لا بصوت الحدأة التي تحوم قريبا في انتظار سنوح فرصة القنص. كل ما كانت تعيه حواس "ستوتة" هو ملمس الشقوق الطينية، و توالي التغيرات في انحناء و بروز جدار الضريح و تعاقب نوبات الأمل بخروجها إلى الجانب المضيء المواجه للشمس من الضريح، وانقضاض نوبات اليأس بدخولها في منطقة الظل بالجانب الآخر.
- و النبي يا "سيدي بسيسة"، و حياة مقامك الطاهر و النبي.... تجبر بخاطري و ما تردنيش مكسورة.... و النبي يا "سيدي بسيسة" و النبي، حتة عيل يبرد ناري و يثبت قدمي في دار جوزي و يكسف عوازلي.
- و النبي يا "سيدي بسيسة"، و حياة الكسوة الطاهرة اللي مشرفة مقامك الطاهر... حتة عيل و أنا قابلة به و لو يكون فيه علة، كله حلو منك يا "سيدي بسيسة" و لو يكون أعمى و لو يكون أعرج.... و النبي يا "سيدي بسيسة".
- و رحمة النبي "محمد" يا "سيدي بسيسة" إن ربنا جبر بخاطري بولد لاسميه "بسيسة" على إسمك و اوهبه لخدمة القرآن و العلم الشرعي... و النبي يا "سيدي بسيسة".
صرخت الحدأة و هي تنقض على أحد جرذان الحقل، انتفضت "ستوتة" لترمق الحدأة و للحظة خاطفة خيل إليها أنها رسمت بامتداد جناحيها الخافقين شكلا مصغرا لحبرتها السوداء، و تناهى إلى سمعها صرير عتيق من أخشاب الساقية، غير أنه بدا لدهشتها كما لو كان صادرا من داخل الضريح نفسه.
2
خلع "محمد الزغل" جبته و علقها على المشجب الخشبي المخروط المنتصب في ركن الغرفة، و في نفس المكان المعتاد بجوارها علق عصاته العوجاء من زاوية يدها العاجية الأنيقة و أتبعها بتعليق طربوشه المكوي. تقدمت "ستوتة" في مزيج من الدلال و الخفر لتساعده في ارتداء الجلباب، و قد اطمأنت إلى أنها لم تغفل شيئا من الترتيبات الدقيقة الواجبة الاتباع طبقا لنصائح كل من أمها و "أم زهر" قابلة البلد؛ فقد ملأت قلة "محمد الزغل" بماء الساقية المبروكة و حرصت على أن ترش منه تحت السرير و حوله – بعد إضافة أشياء أخرى أعطتها إياها "أم زهر" – كما حرصت على تضميخ جسدها بعطر فاخر، بعد أن استدعت "خيرات" البلانة لتنتف لها شعر جسدها بأكمله و تعنى بتخطيط حواجبها و تصفيف شعرها على نحو ما يصففون شعور العرائس في ليالي الزفاف.
كان "محمد الزغل" معدودا من بين وجهاء البلد و كبار أثرياءها، و كان لديه من المبررات ما يكفل له مكانا بارزا بين هذه النخبة النادرة؛ فهو وريث واحدة من أعرق عائلات البلد و أشرفها و أكثرها حيازة لمساحات الأرض المنزرعة في عموم الجوار، و هي العائلة التي نبغ من بين رجالها عدد من أنجب شخصيات البلد و أوفرهم حظا من الاحترام و سداد الرأي إلى الحد الذي كادت معه تحتكر تداول منصبي العمدة و شيخ البلد بين أجيالها المتعاقبة.
و إلى هذا فقد كانت ل"محمد الزغل" مواهبه الخاصة التي لم تكفل له الحفاظ على مكانته كوارث لتراث عتيد فقط، و إنما مهدت له الطريق لإضافة إسهاماته الخاصة إلى مآثر ذلك التراث؛ فكان "محمد الزغل" هو أول الرواد اللذين قاموا بنقل البلد خطوة على طريق الميكنة الحديثة، و ذلك حين شيد أول وابور للطحين في عموم المنطقة بأسرها، ناقلا أهلها من اتباع النمط الفردي في طحن الغلال منزليا بواسطة الرحى الحجرية إلى نمط جماعي احتفالي الطابع تتولى فيه طاحونة الوابور العملاقة طحن الغلال على نحو أيسر و أكثر سرعة بواسطة آلتها العجيبة التي تدار بواسطة البغال.
و لم يكتف "محمد الزغل" بالعكوف على الجانب المالي من حياته الحافلة، فكانت له جوانبه المتفردة التي زادت من لمعان شخصيته بين أهل البلد و ساهمت في ترسيخ وقارها على صغر سنه؛ حيث كان "محمد الزغل" أكثر أهل البلد ترددا على العاصمة و معرفة بأخبارها و رجالها و من أكثرهم توطيدا لأركان الصداقات و المصالح مع وجهاء المحروسة، إلى الحد الذي أتاح له شرف الانضمام إلى وفد المهنئين الموقعين في دفتر تشريفات السراي عقب عودة الجناب الخديوي "عباس باشا حلمي الثاني" من زيارة الأستانة، و ذلك بمناسبة حصول جنابه العالي على نيشان "خاندان آل عثمان" الذي قلده إياه جلالة مولانا السلطان.
و قد أتاحت هذه التركيبة المتفردة ل"محمد الزغل" دراية و إحاطة شاملتين بدقائق و أسرار الأحداث داخل القطر و خارجه، فكان رجال البلد يلتفون حوله في مجلسه المشهور يحتسون أكواب الحلبة المطحونة و يستمعون إليه و قد علت وجوههم الدهشة و هو يصول و يجول شارحا لهم أسرار العلاقة العائلية بين ملكة إنجلترا و قيصر الروس و إمبراطور ألمانيا، و كيف أن البرنسيس "فيكتوريا" ابنة ملكة الإنجليز قد تزوجت من "فريدريك وليم" إمبراطور ألمانيا السابق الذي خلف والده "وليم الأول" على الملك سنة 1888 و توفي في تلك السنة و خلفه ابنه "وليم الثاني" الإمبراطور الحالي، و كيف أن إمبراطور ألمانيا الحالي يكون تبعا لذلك حفيدا لملكة إنجلترا. ثم يأتي دور القهوة المحوجة و تزداد سخونة المجلس و ينجلي "محمد الزغل" و يتفصد جبينه عرقا و هو يشرح كيف أن البرنس "أوف ويلس" ابن الملكة و ولي عهدها قد تزوج من البرنسيس "ألكساندره" ابنة "كريستيان" التاسع ملك الدنيمارك و هي شقيقة البرنسيس "ماريا دغمار" أرملة القيصر "اسكندر الثالث" والد القيصر الحالي، و كيف أن ذلك يؤدي إلى أن يصبح البرنس "أوف ويلس" و إمبراطر روسيا السابق عديلين و أن يصبح الإمبراطور "نقولا" قيصر الروس الحالي ابن بنت عم ولي عهد إنجلترا.
و حين يأتي دور السكر المكرر بماء الورد يباغتهم "محمد الزغل" بالتصريح الخطير الذي حمله بين جوانحه سرا ثقيلا كأحد المؤتمنين على خبايا البلاطات الملكية؛ فيهمس بصوت متوتر أقرب إلى الفحيح بحقيقة أن البرنس "ألفريد" دوق "أيدنبرج" ابن ملكة الإنجليز متزوج من الغراندوقة "ماريا" بنت القيصر "اسكندر" الثاني، فتعقد الدهشة ألسنة جميع الحاضرين بالمجلس و يستشعر كل منهم برودة الشراب و هي تسري في حلقه، و تأخذهم نشوة مجهولة المصدر و كأنما انزاح من فوق صدورهم هم ثقيل أو ثبتت أمام نواظرهم حقيقة كانوا يشكون بها دون أن يملكوا عليها دليلا. ثم تطول بهم لحظات من الصمت الذي يحافظ جميعهم على قدسيته و هم يستمتعون بممارسة الشعور بالراحة النفسية العجيبة التي انتابتهم بعد أن أيقنوا تمام اليقين أنهم قد أدركوا جانبا من أسرار الحقيقة الكونية.
و كانت "ستوتة" تتابع تفاصيل المجلس الأسبوعي من مكمنها خلف شباك غرفة النوم – حريصة على ألا يلهيها ذلك عن مراقبة الخدم مراقبة صارمة خلال تتابعهم المحسوب و هم يحملون أكواب المشروبات و صواني الطعام – و قد أخذها الانبهار كل مأخذ، على الرغم من سماعها لأغلب هذه الحكايات و الأسرار مرات متعددة؛ حين كان "محمد الزغل" يعود إليها من رحلاته للعاصمة مبهورا منتشيا و هو يقص عليها تفاصيل مغامراته الأسطورية، حريصا على تنبيهها من آن لآخر إلى حقيقة كونها أول شخص يعلم بهذه الأسرار و بضرورة كتمانها لما فيها من مساس حميم بأسرة الجناب الخديوي العالي، و بأن وضعها كزوجة له يفرض عليها أن تكون بئرا لا قرار لها لتلك الأسرار الخطيرة. و كانت "ستوتة" تحرص على العمل وفق هذه الوصية بإصرار مستميت إلى درجة أنها لم تنتبه و لو لمرة واحدة إلى أن ما كان يقوم به "محمد الزغل" في مجلسه الأسبوعي يتنافى تماما مع هذه الوصية، و إلى درجة أنها نجحت في مقاومة نوازعها الفطرية كأنثى حين كانت تجمعها ببعض قريباتها مجالس النميمة و الفضفضة، ربما لتثبت ل"محمد الزغل" أنها تملك من الفضائل – برغم تأخرها المقلق في الإنجاب – ما يجعلها جديرة بأن تكون زوجة مخلصة له و مقدرة لدوره الخطير الذي يلعبه في معاونة الجناب الخديوي في سياسة شؤون الرعية.
و لم يكن يرد على خاطر "ستوتة" و لو على سبيل الشك العابر أن كثيرا من سفريات "محمد الزغل" المتكررة للمحروسة – تاركا الإشراف المؤقت على أملاكه لإدارة "سليم أفندي زاكي كوهين" – إنما هي زيارات للتردد على مواطن الأنس و الفرفشة و بيوت البسط و الهنكرة، إلا أن ثقتها العمياء في "محمد الزغل" إلى جانب ما يتمتع به من مكانة تقارب القداسة في البلد لم يدعاها تجرؤ على التخيل و لو للحظة واحدة أنه بسبيله للتنفيس عن سجيته المخبوءة التي لا يعلم أحد عنها شيئا، و التي يبرع في دفنها تحت ركام الوقار و الهيبة بنفس السهولة التي يدس بها ساعته في جيب الصدار. غير أن "محمد الزغل" – و الحق يقال – لم يكن ليقصر في حق "ستوتة" من حيث تجشم العناء في ابتكار الأسباب القوية و الحجج المتقنة التي تبرر زياراته المتكررة للمحروسة، على الرغم من أنها – حتى و لو علمت بالأمر برمته – لم تكن لتجرؤ هي أو أي من ذويها على مجرد إبداء الامتعاض؛ إلا أن شيئا في نفس "محمد الزغل" – ربما يقينه بإخلاصها الأعمى أو ربما هواجس غير محددة عن عاطفة تجاهها – جعله دوما حريصا على التأكد من اقتناع "ستوتة" بأسباب سفرياته التي تمتد لأيام، فمن القيام بواجب التهنئة بعيد "الجلوس الشاهاني" إلى واجب استقبال الجناب العالي من رحلة "زوريخ"، و من القيام بواجب توديع الحملة المصرية المتوجهة لفتح السودان إلى القيام بواجب العزاء في المغفور له سلطان "زنجبار" الذي اختطفته المنون و هو لم يتجاوز الأربعين من عمره.
3
وقفت "ستوتة" بصحن الدار لتودع "محمد الزغل" و هو بسبيله للمحروسة للقيام بأمور جسام؛ فهي المرة الأولى التي يتعين عليه فيها القيام بواجب العزاء في ثلاثة من وجهاء معارفه دفعة واحدة، السبب الذي جعله يحرص على الظهور متجهما طيلة الوقت و شارحا للجميع مدى عظم المصاب الأليم الذي ألم بالقوم حين أنشبت المنية أظفارها في الشاب المهذب المرحوم "يوسف شكور" ابن أخي حضرة الفاضل عزتلو أفندم "ملحم بك شكور" وكيل إدارة السردارية، و ذلك بعد أن أصابته فركة وبائية صاعقة و هو يخدم بالحدود، مما يحتم القيام بواجب العزاء فيه ثم التوجه لمواساة حضرة الفاضل الهمام "أنطون بك نيكوديموس" لوفاة والدته المرحومة "وردة هانم نيكوديموس". و ليت الأمر يقف عند هذا الحد، إلا أن الأقدار تشاء إلا أن تفجع صديقه الفاضل عزتلو "نجيب بك يوسف" ناظر قلم عموم الإدارة بمصلحة قومسيون الأراضي الأميرية بمصر في والده المرحوم سعادة "يوسف باشا الأنطاكي"، الأمر الذي يستدعي غياب أسبوع على الأقل للتمكن من القيام بالواجب على النحو الأصولي.
أسندت "ستوتة " ظهرها بيدها ثانية جذعها للخلف و مريحة يدها الأخرى على بطنها المنتفخ من أثر الحمل؛ فقد فعلت زيارة "سيدي بسيسة" فعلها و ظهرت البشائر منذ شهور، مما جعل "محمد الزغل" في حالة من السعادة المكتومة التي خففت قليلا من جهامة سمته الوقور، إلى درجة أنه بدأ في ممازحة مستخدمه "سليم أفندي زاكي كوهين" بشكل منتظم، مبديا دهشته من وجود البقعة الزيتية العجيبة التي تستقر بشكل أبدي على الجانب الأيسر لطربوش "سليم أفندي زاكي كوهين" و متسائلا عن مصدرها الغامض الذي يكفل لها أن تظل لامعة دوما كما لو كانت قد لطخت الطربوش لتوها.
غمغم "سليم أفندي زاكي كوهين" في نبرة خفيضة مطلقا عدة أصوات مبهمة مضغمة، إلا أن طريقة تتابعها و تعبيرات وجهه و إشارات يديه أثناء النطق بها قد أفادت بما معناه أنه يتمنى السلامة و الغنيمة ل"محمد الزغل" في رحلته المقبلة.
كان "سليم أفندي زاكي كوهين" نموذجا حيا شارحا للتركيبة الفريدة التي سمحت لليهود بالتعايش في كافة البيئات و التأقلم مع الظروف المحيطة بهم أيا كان نوعها. كان "سليم أفندي زاكي كوهين" هو ممثل الجيل الثاني من أفراد عائلة يهودية شرقية استوطنت البلد و استطاعت بما تميز به أفرادها من مهارات الوساطة و إمساك الدفاتر و الإلمام بدقائق الإجراءات القانونية أن تحوز ثقة الأثرياء و أصحاب النفوذ إلى حد تعيين عدد منهم كوكلاء و مندوبين و أمناء سر و ملاحظين لأراضي و مصالح عدد كبير من هؤلاء الأثرياء و الوجهاء، و من بينهم عائلة "الزغل" بداية من عهد "عبد اللطيف الزغل الكبير" الجد المباشر ل"محمد الزغل".
و قد ورث " سليم أفندي زاكي كوهين" وظيفته في متابعة وابور الطحين و الأرض عن والده الراحل "زاكي كوهين ساسورة"، أحد عباقرة هذه الأسرة و أكثرهم اقترابا من عقول وقلوب وجهاء البلد بما أوتي من مواهب و صفات ساهمت في منحه ثقة غير محدودة، و ما زال الجميع يتحاكون بمهارته المذهلة في قراءة القرآن الكريم تجويدا و تلاوة تضارع مشاهير القراء في زمام البلد، إلى الحد الذي كان من المعتاد معه أن يقوم "زاكي ساسورة" بقراءة ربع كامل في مآتم وجهاء البلد على سبيل المجاملة.
و برغم أن "سليم أفندي زاكي كوهين" لم يرث عن والده هذه الموهبة العجيبة إلا أنه انفرد بمواهبه الخاصة التي كفلت له أن يصير امتدادا للوالد العبقري و وارثا لمكانته في البلد؛ فكان حجة لا تبارى في عويص المسائل القانونية و جسيم المشاكل التجارية، ملما بأسرار حركة الأوراق المالية التي كانت له في مضمارها صولات و جولات قيضت له أن يثبت جدارته كوسيط نابه لمخدومه "محمد الزغل" خلال تفشي وباء الكوليرا بالعاصمة؛ حيث هبطت أسعار الأوراق المالية بسبب رغبة حامليها في بيعها لاستعمال أثمانها في الفرار، فكثر البائعون و عز المشترون في حين أخذت بيوت المال في اتباع أسلوبها المعتاد في الشراء بأبخس الأثمان، و هنا كان "سليم أفندي زاكي كوهين" جاهزا للانقضاض على العشرات من راغبي البيع، حريصا في ذات الوقت على شراء عدد من الأوراق التي أظهرت ثباتا في السعر مثل "الموحد" و "الممتاز" و "الدومين"، حتى تجمعت لدى "محمد الزغل" حصيلة وافرة من الأوراق المالية التي عاودت قيمتها الارتفاع - خاصة تلك التي أظهرت ثباتا في السعر - بعد انتهاء غمة الوباء فسارع "سليم أفندي زاكي كوهين" إلى طرحها للبيع محققا ل"محمد الزغل" هامشا معتبرا من الربح دون أدنى مجهود.
إلا أن الأمر الغريب الذي حير عددا كبيرا من الناس و منهم "محمد الزغل" نفسه هو سر إحجام "سليم أفندي زاكي كوهين" عن استخدام هذه المواهب في خدمة مصالحه الشخصية، و اقتصاره على تسخيرها لخدمة الآخرين نظير أجر، غير أن إحساسا عاما بإمكانية صدور ذلك عن طول العهد بلعب دور الوساطة لدى أفراد هذه الأسرة كان سببا كافيا لعدم استرسال الجميع في متابعة البحث عن أسباب أخرى تبرر هذا الحرص على التمسك بحياة الظل.
غير أن الأمر الذي ظل خفيا على جميع من عرفوا "سليم أفندي زاكي كوهين" أثناء حياته، و الذي حرص هو باستماتة على إخفائه ليظل متعته السرية و الجانب المظلم من شخصيته كان متمثلا في ولعه العارم بالتمثيل و الأدب. و لم يكتشف الأمر إلا بعد وفاة "سليم أفندي زاكي كوهين" حين عثر ورثته على عديد من الخطابات و مسودات الرسائل المتبادلة بينه و بين عدد كبير من نجوم "شركة التمثيل الأدبي"، بل إن إحدى مسودات رسائله قد كشفت عن قيامه بترجمة و صياغة رواية "هاملت" الشهيرة لتصير مناسبة و لائقة للعرض من قبل فرقة "جمعية الابتهاج"، كما كشفت نفس الرسالة عن دوره في صياغة الخطاب الحماسي الذي ألقاه حضرة الأصولي الفاضل عزتلو "إسماعيل بك عاصم" في ختام عرض الرواية، و هو الخطاب الذي وجه من خلاله الدعوة للحضور بالاشتراك في مساعدة منكوبي "كريت" مما أدى إلى خروج الناس صائحين مهللين و محطمين في طريقهم لعدد من عواميد الإنارة و حنفيات الحريق، الأمر الذي أدى لإثارة الهلع و إصابة عدد من الناس بالجروح.
و بتفتيش أحد الصناديق المخبئة في الكرار فوجئ الورثة كذلك بعدد من النسخ لكتاب بعنوان "مرشد النحرير الهمام في معرفة أديان العرب قبل الإسلام" من تأليف "سليم أفندي زاكي كوهين" نفسه و من طباعة جريدة "لسان العرب" بالإسكندرية؛ حيث كشف الكتاب عن إلمام عميق ل"سليم أفندي زاكي كوهين" بدقائق و خصائص الأديان الوثنية و السماوية التي سبقت الإسلام في الانتشار و التواجد بجزيرة العرب، و كذلك فهمه العميق لتأثير و تأثر كل منها بالآخر إلى درجة تخصيصه لفصل كامل لملحوظاته الخاصة بتشابه بعض الممارسات و الشعائر الوثنية – من وجهة نظره – بمثيلاتها من الممارسات و الشعائر الخاصة بالديانات السماوية، نافيا و مستنكرا في ختام فصله أن يكون ذلك مدعاة لاعتقاد القارئ أن الأديان السماوية قد تأثرت بهذه الوثنيات أو انتحلتها، و حريصا على دعوة القارئ لوجوب التمسك بإيمانه و عقيدته سواء أكان يهوديا أو مسيحيا أو مسلما.
4
حين قام "محمد الزغل" بإدراج ابنه في دفتر المواليد الموثق بالمحفوظات الخديوية – مؤكدا بذلك وجاهته كأحد أرباب المدنية المعدودين بالبلد التي لم يكن من المعتاد بها اتباع مثل هذا الإجراء – لم يفته أن يفي بنذر "ستوتة" التي استحلفته بكل غال لديه أن يبر بنذرها ل"سيدي بسيسة" حين وعدته أن تطلق اسمه على وليدها لو أتى ذكرا، و إلا كانت غضبة "سيدي بسيسة" عارمة و ربما آذت المولود الذي أتى بعد طول انتظار، غير أن "محمد الزغل" أراد أن يحتال على الأمر كي يخفف من وقع الاسم غير الشائع؛ فأطلق على المولود اسما مركبا هو "صادق بسيسة" مثبتا إياه في صفحة المواليد بتاريخ 15 سبتمبر (أيلول) سنة 1896 إفرنجي الموافق 7 ربيع الثاني سنة 1314 هجري في اليوم السادس من أيام النسيء سنة 1612 قبطي.
و منذ يومه الأول عملت "ستوتة" على تحصين وليدها "صادق بسيسة" تحصينا فائقا؛ مستعينة في ذلك بترسانة كاملة من الأحجبة و التمائم و التعاويذ و لم يفتها هي و أمها و "أم زهر" القابلة أن يكون الحمام الأول للرضيع بعد سبوعه من ماء الساقية المبروكة، و قد أصرت "ستوتة" على أن يكون أول خروج لها من الدار بعد طهرها من النفاس لزيارة ضريح "سيدي بسيسة" حاملة معها الرضيع الغالي مقمطا في لفائفه الحصينة، و كأنها تعلن للولي العتيد أن معروفه السابغ سيظل يقابل بالامتنان ليس من قبلها فقط و إنما أيضا من قبل المولود الذي كان أول عهد له بالدنيا هو زيارة ضريح سميه المبارك.
و في ذلك العام توفي الفيلسوف الألماني "فردريك انجلز" أحد مشاهير المفكرين والفلاسفة الاشتراكيين في العالم وهو صديق "كارل ماركس" الحميم ومساعده في نشر المذهب كما أنه ظل ينفق على "ماركس" وعائلته حتى مات، من مؤلفاته : أصل الأسرة ، الخاصة والدولة ، الثنائية في الطبيعة ، الاشتراكية الخرافية والاشتراكية العلمية.
و فيه وضعت الدول الكبرى نظاما جديدا لجزيرة كريت اليونانية بحيث يحكمها دائما حاكم مسيحي وقد وافقت تركيا على ذلك وكانت الدولة العثمانية قد وقعت معاهدة في 5 من سبتمبر 1669 من 18 مادة تم بمقتضاها انتقال قلعة "كاندية" الحصينة في جزيرة كريت إلى الدولة العثمانية، إضافة إلى 1100 مدفع كانوا في القلعة، وأن تحصل تركيا على كامل جزيرة كريت وفي الحرب العالمية الثانية سارعت القوات النازية إلى احتلال جزيرة كريت في مايو عام 1941.
و فيه خسرت زنجبار الحرب أمام إنجلترا في حرب لم تستغرق أكثر من 38 دقيقة.
و فيه تم تصميم أول خريطة للأحوال الجوية.
و فيه بدأ تشغيل أول مركبة ترام بالقاهرة.
و فيه ولدت ملكة كتابة الروايات البوليسية في العالم "أجاثا كريستي".
و فيه تم اكتشاف النشاط الإشعاعي الطبيعي؛ وقد اكتشف هذا الفرنسي ”هنري بيكيريل" في باريس عام بينما كان يجري بعض التجارب على اليورانيوم. حيث قام بوضع عينة على فيلم حساس داخل غلافه. وكم كانت دهشته عند تحميض الفيلم عندما وجد صورة العينة بحدودها مطبوعة على الفيلم.
و فيه توفي السيد "عبد الله النديم" خطيب الثورة العرابية عن 53 سنة.
و فيه وفاة المخترع السويدي "الفريد نوبل".

الرواية متوفرة بدار هلا للنشر و التوزيع
6 شارع الدكتور حجازي، الصحفيين – الجيزة – جمهورية مصر العربية.
تليفون: 33041421 (202)
فاكس: 33449139 (202)

أسرار كائنات الظلام وأصل أساطير الرعب


ما السبب في أن حكايات بعينها تسبب الرعب أكثر مما تفعله باقي الحكايات؟
وما السر في استمرار بعض هذه الحكايات لتظل متوارثة عبر مئات وآلاف السنين؟ ولماذا ينتشر بعضها عالمياً ليصبح مؤثراً على جميع الناس، دون أن يتأثر باختلافاتهم الثقافية والمادية؟
ما العفاريت؟ وما أصل عرائس البحر؟
من هو "دراكولا" الحقيقي؟ وما سر حياته؟
ما هو أصل الاعتقاد في الرجل الذئب؟
لماذا تمتلك بعض البيوت والأماكن القدرة على إثارة الفزع في النفوس أكثر من غيرها؟ و هل يعود ذلك حقا إلى كونها مسكونة ؟ و ما معنى ( مسكونة ) ؟ وما هي أشهر هذه الأماكن و البيوت ؟
من هي النداهة ؟ و ما هي الغيلان ؟ و ما هو سر المسوخ المشوهة التي تجوس ليلا بالخرائب ؟
ما هو ....... عفوا ... فالكتاب القادم ينوي الغوص في مستنقعات قديمة من رعب المجهول .

الكتاب متوفر بدار هلا للنشر و التوزيع

6 شارع الدكتور حجازي، الصحفيين – الجيزة – جمهورية مصر العربية.
تليفون: 33041421 (202)
فاكس: 33449139 (202)

أسرار الوجوه وعلم الفيزيوجنومي




فن قراءة ما يخفيه الآخرون

هل بالإمكان معرفة ما يجول بخواطر الآخرين وفهم نفسياتهم وخبايا طويتهم، بحيث يغدون كالكتاب المفتوح؟
وهل حقا استطاع القدماء إرساء أسس العلم الذي يمكنك من قراءة أجسام وملامح وجوه الآخرين لتعرف على الفور عيوبهم ومزاياهم، مواطن الشر والخير فيهم، قدراتهم ونقائصهم ، مواهبهم وما يصلحون وما لا يصلحون له من أعمال؟
هل تستطيع معرفة الشخص الملائم ليصبح شريكاً لحياتك طبقاً لذلك؟
وهل تستطيع اختيار عمالك ومرؤوسيك بهذا الأسلوب؟
وهل من الممكن اكتشاف أن شخصاً ما يكذب عليك أو بصدد النصب عليك مهما تكن براعته ؟
ما هو علم الفيزيوجنومي ؟ و هل حقا هناك فراسة ؟ و إذا كانت هناك فراسة ، فما هي ، و هل هي موهبة أم من الممكن تعلمها ؟
هل يمكنك تطبيق ذلك على نفسك لمعرفة ما يخفى عليك عن ذاتك ؟
و إذا كان ذلك صحيحا ، هل من الممكن أن يساعد ذلك على تغيير مسار حياتك ؟
هذه الأسئلة هي لمحة عابرة من المحتوى الذي يعج به هذا الكتاب و يطمح لبيانه و إلقاء الضوء عليه .
الكتاب متوفر بدار هلا للنشر و التوزيع
6 شارع الدكتور حجازي، الصحفيين – الجيزة – جمهورية مصر العربية.
تليفون: 33041421 (202)
فاكس: 33449139 (202)

أسرار طاقة الأفعى


كنت ، عزيزي القارئ قد قطعت معي شوطا في سبيل التعرف على عالم بقدر ما تتوقف على مفرداته صحتك البدنية و النفسية و العقلية ، بقدر ما كان بعيدا عنك مستغلقا عليك ، بل ربما كنت ممن يتناولونه باستخفاف على اعتبار أنه يتعارض مع مقتضيات ( التفكير العلمي ) ، فإذا بك تفاجأ بأنه أضحى واحدا من أهم المجالات التي تتناولها أمهات مدارس العالم العلمية و الروحية بالدرس و التمحيص على مائدة البحث العلمي الصارم ، لتكتشف من خلاله أسرارا مذهلة سبق و أن وعاها و طورها و استخدمها حكماء الحضارات القديمة ليحققوا من خلالها غير قليل من إنجازاتهم التي نقف إزائها مشدوهين حتى اليوم ، و لتفسر سر احتفاظ هؤلاء الحكماء بلياقة ذهنية / روحية / نفسية عن طريق فهمهم و تطويعهم للقوى الخفية الكامنة بالجسد البشري ، و توجيهها وجهة بناءة .
كما طوفت معي في مقارنة سريعة بين النظم التي فهمها كل من المصريين القدماء و حكماء الهنود من أساتذة اليوجا الأقدمين فضلا عن حكماء الصين لتكتشف مدى التقارب في هذه المفاهيم المتعلقة بقوى الجسد الخفية ، و لتكتشف أنها هي عين ما أفصحت عنه التجربة العلمية في معامل البحث الغربية في القرن العشرين ، و ما زالت تترى في قرننا الواحد و العشرين ، حتى أصبحت دراسة هذه العلوم الماورائية بفروعها المختلفة ، واحدة من أهم و أمتع العلوم التي تستقطب دوائر آخذة في الاتساع من مختلف المشارب و الثقافات ، فضلا عن أنها أضحت تمثل جانبا تجاريا لا يستهان به في تطبيقاتها العلاجية التي تشمل أمراض الجسد و النفس و العقل إلى جانب اكتشاف قدرات و مواهب الفرد الدفينة و إطلاقها إلى حيز الممارسة العملية .
و كنا – بعد شرح مستفيض لخريطة مجالات الطاقة المتشابكة التي تتعلق بوجودك – قد تعرفنا على ( أجسادك الرهيفة ) و على طبائع القوى المنوطة بكل منها و على مراكز الطاقة التي يعتبر كل منها بمثابة مفتاح يمكن عن طريقه ولوج عالم كامل من الطاقة و النغم و اللون ، و معالجة طائفة من العلل و الأمراض .
و لما كنا نستهدف التطبيق العملي و الاستفادة القصوى من معارفنا النظرية في هذا الصدد ، فقد شرحت لك برنامجا تمهيديا هدفه تطهير و إعداد الجسد المادي لاستقبال التدريبات المتقدمة التي تستهدف فتح مراكز الطاقة أو " الشاكرات " Chakras .
و ها نحن أولاء نستكمل ما سبق و أن بدأناه معا في هذا السبيل ، فهيا معي لتطلق طاقاتك القصوى ، هيا معي لتتعلم أسرار " طاقة الأفعى " The Serpent Power كما يطلق عليها أساتذة " التانترا " أو كما يطلقون عليها " كونداليني " .
الكتاب متوفر بدار هلا للنشر و التوزيع
6 شارع الدكتور حجازي، الصحفيين – الجيزة – جمهورية مصر العربية.
تليفون: 33041421 (202)
فاكس: 33449139 (202)

قوى الجسد الخفية


هو الكتاب الأول في هذه السسلسلة

مقدمة
ظل الاعتقاد سائداً أن المادة والطاقة كيانان منفصلان، لكل منهما عالمه وقوانينه التي تتفق مع طبيعته و خصائصه. وأهم ما تخضع له المادة هما عنصري المكان والزمان، فالمكان دائماً يحدد الحيز الفراغي الذي تشغله المادة، أما الزمن فيؤثر في عوامل تغيرها – فيزيائياً أو كيميائياً – من تفاعل وتجمد وتبخر وسيولة وإشعاع أو امتصاص – إذا كانت مشعة - ، كما توصل "آينشتين" إلى أن الزمن يؤثر أيضاً في كتلة المادة، فطبقاً للمعادلة التي وضعها فإن كتلة المادة في حالة حركتها تزيد على كتلتها في حالة سكونها، و هي زيادة تتناسب طردياً مع زيادة سرعة الحركة، أي أن المادة من الممكن أن تصل كتلتها إلى ما لا نهاية عندما تصل سرعتها إلى سرعة الضوء. و المعادلة تنص على أن [كتلة الجسم في حالة الحركة تساوي كتلته في حالة الثبات مقسومة على الجذر التربيعي للرقم 1 ناقص مربع سرعة حركة الجسم "ع" على مربع سرعة الضوء "ض"] . (1)
و اعتقد الناس أن الطاقة متحررة من قوانين الزمان و المكان لأنها تقطع أبعاد المكان بسرعات هائلة قد تصل إلى سرعة الضوء ، و لذلك فقد ظلت النظريات العلمية لوقت قريب تقطع بأن لكل من المادة و الطاقة مجاله و قوانينه الخاصة به دون تداخل بينهما .
إلا أن " آينشتين " أيضا هدم هذا الاعتقاد ، حيث توصل في نظريته التي صاغها في أوائل القرن الماضي – القرن العشرين – إلى وحدة الكون و أن الاختلاف الظاهري بين المادة و الطاقة لا يعدو أن يكون اختلافا في الدرجة فقط ، و هو ما لا يمنع أنهما مظهرين لحقيقة واحدة ذات صورتين متمايزتين ، حيث أثبت إمكانية تحول المادة إلى طاقة ، و ذلك عن طريق " تمويجها " أي تحولها من حالتها الصلبة إلى حالة موجية في شكل إشعاعات ، و هو الأمر الذي يجعلها " خفية " ، " غيبية " تماما تمر بالحواس مر الكرام !!!
و طبقا لذلك وضع القانون الشهير الذي يمكن بواسطته تحديد مقدار ( المادة / الطاقة ) في صورتيهما عندما تتحول إحداهما إلى الأخرى ، و هو ما تحدده المعادلة الآتية :
الطاقة = كتلة المادة × مربع سرعة الضوء . (2)
فإذا عرفنا أن سرعة الضوء تساوي 300000 كيلو متر / ثانية ، فلنا أن نتصور مثلا الطاقة الخرافية التي يمكن أن تنتج عن تحويل كتلة من المادة مقدارها عشرة جرامات فقط ، و التي ستصبح 10/1 × 9 × 10(10) ، و هي طاقة كافية لتشغيل مصنع كبير .
كما أكد " آينشتين " إمكانية حدوث العملية العكسية ، أي أن تتحول الطاقة إلى مادة ، بمعنى أن تتجسد في صورة محسوسة ، و استنتج من ذلك أن الضوء لا يسير في خطوط مستقيمة ، بل يتأثر أثناء سيره بفعل جاذبية النجوم و مجالاتها المغناطيسية فينحرف عن مساره الأصلي ، و ذلك كما يحدث تماما للمادة لأنهما من أصل واحد ، و هو الفرض الذي عارضه عدد كبير من العلماء و اعتبروه جنونيا في وقتها إلى أن أثبتت المراصد الحديثة عمليا صدق استنتاجات " آينشتين " الرياضية !!! ، بل و حددت قيمة انحراف الضوء في هذه الحالة بمقدار 1،64 درجة . و حاليا تعيش معاهد البحوث الغربية العلمية حالة من النشاط المكثف من أجل الوصول بفرضية " آينشتين " إلى حدها الأقصى عن طريق تحويل أحد أنواع الطاقة إلى مادة و تجسيده في صورة ملموسة ، في ذات الوقت الذي ما زلنا نتساءل فيه : هل هناك حقيقة إمكانية لاستغلال طاقات العوالم الخفية ؟!!!

(1) Albert Einstein , The Meaning Of Relativity , 4th Ed . Princeton 1953 .pp.125,126 .
(2) Ibid , p.128 .

الكتاب متوفر بدار هلا للنشر و التوزيع

6 شارع الدكتور حجازي، الصحفيين – الجيزة – جمهورية مصر العربية.
تليفون: 33041421 (202)
فاكس: 33449139 (202)

كلمة لابد منها


الكتابة في مجال الخوارق والعلوم الغيبية مغامرة محفوفة بالمتاعب – لاسيما في مجتمعاتنا الشرقية – لعدة أسباب جعلت من رواد هذا المجال - القديم والحديث في نفس الوقت – هدفا مستمراً للسخرية والشكوك والهجوم، وفي أحسن الأحوال الشفقة المشوبة بالتندُّر والتفكُّه .
ومن أهم هذه الأسباب المتعددة :
1- أن مجال العلوم الغيبية – كما يتضح من اسمه – يختص بهذه الفئة من العلوم والطاقات التي تنتمي إلى مجالات وحقول وترددات فائقة من الطاقة، يتعدى مداها قدرة الحواس البشرية على الإدراك، ومن ثم في تمر بها مرور الكرام دون أن تعيرها التفاتاً، إلا في الحالات التي تكون هناك ضرورة ملحة لإحداث اتصال بين الوعي البشري و بين الأنواع المتعددة لهذه القوى والطاقات .
ولما كان الإنسان عادةً قد تعلم منذ طفولته ألا يثق إلا بما تمليه عليه حواسه، بما تلمسه وتشمه وتراه وتسمعه وتتذوقه من آثار العالم المادي، فقدَ إنسان العصر الحديث عشرات من الحواس، التي كان يتمتع بها أسلافه البشريين من أبناء الحضارات السابقة، الذين أصبحت تفصلنا عنهم عشرات الآلاف من السنين، والذين تفهَّموا جيداً طبيعة هذه القوى – كما سوف نرى – بل وطوّعوها لبناء حضاراتهم، التي مازالت أسرارها المذهلة عصية على الشرح والتفسير .

2- اعتماد مناهج العلوم التجريبية على المشاهدة وتسجيل النتائج، التي تتحقق مادياً و معمليا ، مما صبغ عصرنا الحديث بأكمله بهذه الصبغة المادية ، و ذلك نظرا لتغلغل العلم التجريبي و تطبيقاته " التكنولوجيا " في حياتنا المعاصرة بشكل كاسح ، فأصبح اعتماد الناس حاليا في غالب نشاطات حياتهم على الأجهزة و الآلات التي ساهمت في إخماد عدد كبير من الملكات و المهارات التي كان يتطلبها الاعتماد على قدرات الإنسان ، مما جعل بعض الدراسات النفسية تتنبأ بفقدان الإنسان لمعظم ملكاته في عصر قريب بتأثير التقدم المريع للتكنولوجيا . و مما دعم الأمر أن العلم الحديث بمناهجه السابقة الذكر – و التي لا ينكر أحد فضلها رغم ذلك في تيسير سبل الحياة – قد أثر في طريقة تفكير الإنسان المعاصر ذاتها ، فنتج عن ذلك عدد من المفاهيم و الجمل الشائعة التي تشيع في قطاع المثقفين ثم لا تلبث بقية قطاعات المجتمع أن تتلقفها منهم لترددها ترديد الببغاوات مثل : " أنا إنسان متعلم ، لا وجود للغيبيات " ، أو " أنا مثقف ، التفكير الغيبي تفكير متخلف " ، فماذا يقول هؤلاء إذن إذا عرفوا – كما سوف تقرأ – أن كبريات معامل و معاهد البحث العلمي الغربية قد فتحت مجالا لدراسة و اكتشاف هذا المجال ( المتخلف !!! ) و اعترفت به و اعتبرت أن طاقاته هي بمثابة طاقات لم تكتشف قوانينها بعد ؟!!
3- سيطرة الجهل و التخلف لحقبة طويلة على مجتمعاتنا الشرقية لعدة أسباب من أهمها الاستعمار الذي رزح الشرق تحت نيره فترات طويلة من قبل مستعمرين و غزاة و ( فاتحين ) شتى ، ما بين صراعات لأمراء المماليك في مصر و الشام و اكتساح عثماني و احتلال أوربي ...إلخ ، مما ساهم في تكريس طباع التواكل و القدرية و اللجوء للغيبيات في أسوأ صورها ممثلة في الاستعانة بالجن و العفاريت و التبرك بأضرحة الموتى و اللجوء للسحرة و اعتبار البلهاء و المعاقين ذهنيا من أولياء الله الصالحين . كل هذا التراث الأسود طغى للأسف على مفهوم عوالم القوى الغيبية و طبعها بطابعه في أذهان القطاع الأكبر من أبناء الشرق ، مما جعل الباحث فيها مجبرا دائما على شروح مطولة يوضح فيها الفرق بين ما يبحث فيه من علوم رصينة و بين ألاعيب الحواة و الدجالين .
و يثور الآن سؤال هام لابد منه و هو : هل البحث في العلوم الماورائية مما يتعارض مع مفهوم الغيب كما يعنيه الدين ؟
الإجابة المباشرة على هذا السؤال تتضح من الحديث الشريف الذي ورد بصحيح البخاري و الذي نصه :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (( مفاتح الغيب خمس : إن الله عنده علم الساعة ، و ينزل الغيث ، و يعلم ما في الأرحام ، و ما تدري نفس ماذا تكسب غدا ، و ما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير )) ( 1 ) .
هذه الأصول الخمسة للغيبيات التي لا يجوز أن يدعي أحد المقدرة على الإحاطة بها أو التنبؤ بما سوف يكون من شأنها ، و هي كما نرى لا تدخل من قريب أو بعيد في نطاق ما تنوي هذه السلسلة أن تبحثه ، فنحن لا ننوي – معاذ الله – أن نصدر مصنفات تسفه من قيمة العقل أو تتعارض مع أصل من أصول العقيدة ، إنما الهدف الأساسي كما سبق و أشرت هو الأخذ بطرف من أسرار علوم و فلسفات اكتشفت في أسرار الكون قوانين أودعها الله فيه . هذه القوانين انتبه إليها عباقرة من الأسلاف الذين ساهموا في بعث و ازدهار الحضارة عبر العصور ، بعضها اندثر بفعل الانهيار الدوري المعتاد للحضارات و ترك البعض الآخر بصيصا من الإشارات و الرموز التي كانت بمثابة علامات دالة ساهمت في بعث هذه العلوم و إعادة كشفها من جديد ، و هو الأمر الذي يسير فيه الغرب الآن بخطى حثيثة .
و ربما يلتبس الأمر على البعض نتيجة لاستخدام لفظ " العلوم الغيبية " للإشارة لهذه العلوم ، مما ينتج سوء الفهم و الخلط بينها و بين مفهوم " الغيب الديني " في ذهن القارئ ، و لتوضيح ذلك أقول أن ذلك من قبيل الدلالة الاصطلاحية ، بمعنى أن كلمة " غيبية " هي عبارة عن مصطلح يطلقه البعض على هذه العلوم نظرا لطبيعتها " الخفية " أو " الكامنة " ، و نظرا لأن قوانينها و معادلاتها لم تكتشف كاملة بعد ، فهي ما زالت في رحم الغيب .
و المشتغلون بالبحوث الأكاديمية يعلمون معنى المصطلح تماما ، فالكلمة الواحدة قد يكون لها معنى ما في القاموس ثم تستخدم استخداما دارجا مغاير في المعنى من قبل رجل الشارع ، ثم قد تستخدم استخداما ثالثا مختلف تماما كمصطلح دال في علم من العلوم ، و هذا هو ما ينطبق تماما على لفظة " غيبية " و التي تستخدم كمصطلح من قبل علماء الدين يدل على ما سبقت الإشارة إليه من علم يختص الله سبحانه و تعالى بمعرفته و يقصره على ذاته الإلهية و لا يشرك فيه أحدا من عباده .
و للابتعاد عن هذا الخلط تماما فسوف أستخدم اصطلاح " العلوم الماورائية " للدلالة على ما أعنيه من هذه العلوم ذات المجلات الخفية من الطاقة ، كما أفضل استخدام مصطلح " القوى الخفية " رغم ما يحويه من ظلال مثيرة للخيال .
ثم إن القصص القرآني لا ينفي أبدا إمكانية أن يتمتع بعض البشر بميزات و قدرات تمكنهم من اختراق عوالم القوى الخفية و اجتياز مسالكها الوعرة ، بل إن بعض الآيات تنص على ذلك صراحة ، فيقول سبحانه و تعالى :
(( فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا و علمناه من لدنا علما (65) قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا (66) قال إنك لن تستطيع معي صبرا (67) و كيف تصبر على ما لم تحط به خبرا (68) قال ستجدني إن شاء الله صابرا و لا أعصي لك أمرا (69) قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا (70) )) . الكهف 65- 70 .
فالآيات الكريمة السابقة تحدثنا عن لقاء سيدنا " موسى " عليه السلام بأحد الناس الذين وصفهم الله تعالى بوصف [ عبدا من عبادنا ] ، فلم تنص الآيات صراحة على أنه رسول أو نبي ، بل هو إنسان كغيره ، غاية الأمر أن الله تعالى آتاه [ رحمة ] و [ علمه من لدنه علما ] ، هذه

(1) صحيح البخاري ، دار الكتاب اللبناني ، الجزء الرابع ، ص 71 و أيضا ص 99 .
الرحمة و هذا العلم جعلاه يستحق و بجدارة أن يقوم بدور الأستاذ لواحد من أكبر الأنبياء و الرسل و هو " موسى " عليه السلام ، بل و يستأذنه " موسى " في الصحبة فيشترط عليه ذلك العالم شروطا حتى يصحبه ، ثم يكون من أمرهما ما تنص عليه باقي الآيات من أحداث يتمكن فيها هذا العبد العالم أن يهتك أسرارا ماورائية ، يتصرف بموجبها تصرفات قد تبدو للوهلة الأولى أنها غير عقلانية ، و ذلك طبقا لحكم الحواس العادية و ( التفكير المنطقي ) ، ثم نكتشف في ختام الآيات أنها هي عين العقل و عين المنطق طبقا للقدرات التي أتيحت لهذا العبد العالم و التي تصرف بناء عليها .
و الكتب المقدسة على اختلافها تحتشد بمئات من الآيات و النصوص التي تصرح بأن الكون غير مقصور على هذا النطاق الضئيل الذي تتعامل معه حواس البشر بشكل اعتيادي ، بل إنها تدل صراحة في أكثر من موضع على أن هناك عوالم متعددة ذات قوانين و طاقات و ظواهر و أحداث تتجاوز قدرة التصور البشري .
و الآيات سالفة الذكر كثيرة لدرجة أن حصرها يخرج بنا عن نطاق هذا الكتاب و موضوعه ، و لكن نتوقف هنا عند إحدى آيات سورة الذاريات و التي تصرح :
(( و من كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون )) الذاريات (49) .
و هو الأمر الذي يسري على كل شيء في الكون بما فيها المادة ذاتها ، فالكون المادي يتضمن الطاقة بشتى صورها المعلومة و التي ما زالت في طي المجهول بنفس الشكل الذي يتضمن به المادة بصورها و عناصرها المختلفة ، فالعالم إذن عالمان أو زوجان : عالم المادة و عالم الطاقة .